بقلم عبَاد ديرانيّة
To read this article in English, click here.
لم تكُن بحوزتي إلا قبعة شتوية لتحجب عن عينيَّ شيئاً من أشعة شمس الخريف، التي سطعت أمامي على كومة من الأطلال والأعمدة المتهاوية في مركز مدينة روما: وهو مشهدٌ أقلّ ما يُقَال عنه -بالنسبة لي- أنه “مخيّب للآمال”. كنتُ قد انتظرت هذه اللحظة بصبر لنحو خمسة عشر عاماً، منذ أن انبهرت لأول مرة بمشاهدة الفيلم الوثائقي الرائع لهيئة الاذاعة البريطانية “روما القديمة: قيام و انهيار الامبراطورية”، فانكببتُ منذئذٍ على أكوام من الكتب والروايات والموسوعات والأفلام الوثائقية لإرضاء شيءٍ من فضولي عن هذه المدينة العظيمة، لا لشيءٍ إلا لأجدها قد اندثرت قبل مجيئي! وإن لم يكُن قد بقي من عجائب روما شيءٌ يذكر، فكيف ما تزالُ أعظم صيتاً وشهرةً من أي مدينة أثرية سواها؟
رحتُ أتجوَّل بعدها تحت ظلّ مسرح الكولوسيوم وأتصفّح تحفاً جُمِعَت في معرضٍ خاصّ اسمهُ “قرطاج: الأسطورة الخالدة”، فتبادر وقتها سؤال جديد إلى ذهني: “هل يمكن لتراث وتاريخ أمّتي أن يكون معروفاً بين أبنائها، مثل حال تراث روما في أنحاء العالم؟”. لعلَّ إجابة هذا السؤال صعبة، مثلها في ذلك معظم الأسئلة الأخرى التي لا بدّ منها، على أني كنتُ راغباً ومستعداً للبحث عنها؛ أو -بالأحرى- للعمل في سبيلها، وكان مشوار البحث على وشك أن يُغيّر أموراً كثيرة في السنة القادمة من حياتي، بدءًا من خريف عام 2019، وهو تغييرٌ قد يدوم أثرهُ لوقتٍ أطول بكثير.
الفينيقيون والموسوعات
تعرَّفتُ من الأفلام الوثائقية المدبلجة التي كنتُ أستمتع بمشاهدتها بعد العودة من المدرسة إلى حضارة ثانية غير روما، وهي خصمها اللّدود: قرطاج. لكن هذه الوثائقيات لم تصِف قرطاج إلا في سياق صراعها مع روما، وربَّما كان سردها للصّراع محايداً في ظاهره، على أنها لم تُصوِّر حضارة القرطاجيين بنفس الطريقة التي صوَّرت بها الرومان. فلم تكُن فيها مشاهد لمدينة قرطاج تُعيدُ بناءها وتخيّل الحياة فيها، ولم تظهر على الشاشة شوارع المدينة ولا قصورها ولا حدائقها، والأهم من ذلك أنه لم يظهر أثرٌ لشخصياتها وشعبها، ولم تترسَّخ -بالنتيجة- في ذهني صورة العاصمة البونيقية مثلما ترسَّخت صورة روما، وإنَّما ظلَّت ناقصة قاصرة.
على الرغم من أنه قد يبدو أننا نعيش في عصر المعرفة الوفيرة، إلا أن هناك وعياً متزايداً بين الأكاديميين بأن مصادر هذه المعرفة وموضوعاتها ليست متساوية في ما تُغطّيه. ففي حين تُخصّصُ مئات الجامعات (إن لم تكن الآلاف) مساقات دراسية كاملة للدراسات اليونانية والرومانية، فإنَّ الدراسات البونيقية والفينيقية لا يكادُ يكون لها أثرٌ في المؤسسات الأكاديمية. وعلاوة على ذلك، فإن المعرفة القليلة التي بحوزتنا عن حضارة الفينيقيين هي حكرٌ على عدد قليل من الأكاديميين المتخصّصين، إذ لا تتوفر إلا قلّة من الكتب أو الروايات أو الأفلام الوثائقية الشيّقة لتأسر اهتمام الناس بهذه الحضارة، والقليل الموجود منها هو حكرٌ آخرُ على من يتقن اللغة الإنكليزية.
أدركتُ هذه المشكلة حينما ساورتني رغبةٌ بأن أتعلم المزيد عن “أسلافي” الفينيقيين، إذ سرعان ما استنفدتُ المحتوى العربي المتوفر على الإنترنت آنذاك (في عام 2006) حول حضارتهم وتاريخهم، والذي كان عبارةً عن بضع مقالاتٍ على موقع جديد اسمهُ “ويكيبيديا”. وقد عزمتُ وقتئذٍ على أن أتقلّد زمام الأمور وأن أؤلّف بنفسي كتاباً عن الفينيقيين، فجمعتُ مادّة من ثمانين صفحة (معظمها نسخ ولصقٌ يخالفُ حقوق الملكية الفكرية)، لكن الإحباط الذي اعتراني من ضعف المحتوى العربي كان له تأثير دائم، إذ دفعتني هذه التجربة التعيسة إلى بذل جهدي في إتقان اللغة الإنكليزية وفي انضمامي إلى فريق ويكيبيديا التطوعيّ أملاً بنشر المعرفة وإتاحتها لغيري من الناس.
على أني كدتُ أن أنسى هذه الحادثة (وما أدَّت إليه من أثر كبير في حياتي) حينما صادفتُ الفينيقيين مرة أخرى، وذلك في أواخر عام 2019، أي في الشهور المعدودة الأخيرة التي كان فيها السفر مسألةً طبيعية، وكنتُ قادرًا وقتئذٍ على اغتنام الفرصة للسفر في أوروبا كطالب حاصلٍ على منحة إراسموس+ وعلى “زمالة فيدريك وينجر” من المركز الأمريكي للأبحاث الشرقية (أكور). كانت قد مضت في ذلك الحين أكثر من عشر سنين على بداية تطوعي في ويكيبيديا، وقد عادت إليَّ جميع المشاعر المُحبطة (التي دفعتني للتطوع سابقاً) وأنا أقفُ لأتأمَّلُ تمثال “ليونتوسسيلين”، أي إنسانٍ برأس أسد، معروض في الكولوسيوم ومستعارٍ من مكانه الأصلي في متحف للتراث الفينيقي بمدينة نابل التونسية.
توثيق تراث بلاد الشام
ليس من السهل دوماً تعريف “التراث”، فالواقع أني لستُ واثقاً من “تراثي” الشخصي أساساً، والذي قيل لي أنه خليط من أصول عربية وكردية ومن عائلات هاجرت بين مختلف بلدان المشرق العربي، والتي هي -بالمِثْل- أقربُ إلى بوتقة انصهرت فيها العديد من الثقافات على مرِّ العصور، لكن وبغض النظر عن ماهية أصولنا فإننا غالباً ما نسعى إلى صلة وانتماء نستمدّه من الماضي. فثقافتنا وأسلوب حياتنا وما يكتنفه من أدب وفن وهوية هو مزيجٌ من الماضي والحاضر، تلاقح فيه ما شاع في زمننا مع ما ورثناه من أجدادنا، وهذا التناغمُ مع العادات والأساليب “القديمة” هو -على الأرجح- ما يُعطي قيمةً “للجديدة” منها في معظم الثقافات، لكني شعرتُ دوماً بأن هذا العنصر كان غائباً بالنسبة لي. فتراثي يقتصرُ عادةً على المتاحف الصدئة والكتب المغبَّرة، على أنه لا يبدو ذا قيمة في حياة الناس اليومية.
كيف لنا -إذاً- أن نجعل تراثنا مألوفاً وحاضراً في حياة الناس على غرار تراث روما؟ تفكَّرتُ بهذا السؤال مرات كثيرة ولا شك لديَّ بأن له إجابات متعدّدة، على أنها قد تصبّ دوماً في اتجاه واحد. فمهما كان الناس مقتنعين بأهمية الماضي وحريصين أن يربطوا بينه وبين حاضرهم، فلا سبيل لهُمْ إلى ذلك إذا لم تكُن بين أيديهم أي وسيلة لاكتشاف هذا الماضي والتعرّف إليه والتثقّف فيه. ومن حسن حظّي أن كنتُ على صلةٍ قويّة أصلاً بأكبر وأشهر مصدر للمعلومات في عصرنا: وهو موسوعة ويكيبيديا الحرّة، والتي لها أن تؤدّي دوراً قوياً في تغيير هذا الواقع.
كانت عناصر هذه الفكرة قد انبثقت أصلاً في منتصف عام 2019. إذ تواصل وقتئذٍ المصور والزميل الرائع بشار الطبّاع مع ويكيميديا بلاد الشام، وهي مجموعة تطوعيّة للويكيبيديين في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، والتي أشغلُ فيها دور المنسّق العام منذ عام 2017. عرض بشار بسخاء وحماسةٍ أن يتبرّع ببعض من صوره للمواقع الأثرية في الأردن (وهي أقربُ -فعلياً- إلى قاعدة بيانات شاملة)، كما أني وزملائي كُنّا في الفترة نفسها على اتصال مع المركز الأمريكي للأبحاث الشرقية (أكور) لبحث فرص التعاون المحتمل مع ويكيميديا بلاد الشام، وقد اجتمعت معاً كلّ هذه التعاونات في خريف عام 2019، في نفس الفترة التي كنتُ أكتشفُ فيها ما يربطني من أواصر مع تراثي الفينيقي.
أطلقنا على هذا المشروع اسم “التراث الأردني المفتوح“، ومسعاهُ الطموح هو نشرُ تراث الأردن التاريخي والحضري في موسوعة ويكيبيديا والمشاريع المماثلة من خلال التبرع بالصور وجمع قاعدة بيانات وإضافة مقالات ومعلومات (باللغتين العربية والإنكليزية)، وذلك على أن تكون كل هذه المعلومات والصور والبيانات منشورةً مجاناً بموجب رخصة “المشاع الإبداعي”، إذ يمكن لكلّ من يريد تصفحّها عبر الإنترنت وإعادة نشرها والاستفادة منها بدون قيود.
على مدار العام الماضي، أصبح “التراث الأردني المفتوح” مشروعاً رئيسياً في مجتمع ويكيميديا ببلاد الشام، إذ نظَّمنا خلال هذه الفترة أربع ورش عمل لتدريب مساهمين جدد في ويكيبيديا ومساعدتهم على إثراء المقالات التراثية على الموسوعة، إذ عُقِدَت ورشتان من هذه الورش على أرض الواقع، قبل جائحة كوفيد-19، كما عُقِدَت اثنتان بعدها إلكترونياً. ساهم هذا المشروع حتى الآن بإضافة صور عالية الجودة لأكثر من مائة موقع أثري في شتّى أنحاء الأردن (والتي كانت تفتقرُ الكثير منها لأي صورة في السابق)، وقد تطوَّع إجمالاً حوالي مئة شخص للمشاركة في المشروع، وساهموا مجتمعين بإضافة أكثر من 60,000 كلمة وحوالي 300 مرجع عن التراث الأردني إلى موسوعة ويكيبيديا.
إلا أننا وحتى حينما كُنَّا بصدد إطلاق المشروع، شعرتُ بأني ما زلتُ أفتقر لرابط شخصي مع تراثي خارج إطار هذا المشروع. فقد انبهرتُ قبل سنواتٍ (في مرحلةٍ متأخرة بمسيرتي التعليمية، خصوصاً وأني أدرس اللغات الأجنبية) حينما عرفتُ أن الفينيقيين كانوا السبَّاقين في اختراع أول أبجدية معروفة في التاريخ. وقد اشتعلتُ فضولاً لأتعرف أكثر إلى أبجديتهم وأدرس لغتهم، لكني لم أجد إلا مصادر معدودة متاحةً عنها على الإنترنت، وربَّما كان عليَّ أن أتوقع هذا التناقُضَ (في الفقر الشديد بالمصادر المتوفّرة عن “أقدم أبجدية في العالم”) بعدما ما قاسيتهُ من خبرة مع عدم تكافؤ المعرفة.
نجحتُ رغم ذلك، وقبل بضعة شهور، في إتقان القراءة والكتابة بالأبجدية الفينيقية القديمة، كما تعلمتُ حفنةً من الكلمات وجانباً بسيطاً جداً من قواعدها، ولذلك أشعرُ اليوم بأني أرضيتُ شيئاً من فضولي اللغوي (وحاجتي التراث) نحو هذه اللغة. حالياً، أعملُ على تطوير مقالة اللغة الفينيقية على النسخة العربية من ويكيبيديا، على أمل أن تمسي مصدراً جيداً وموثوقاً للمعلومات في هذا المجال (ما تزالُ المقالة في مرحلة ابتدائية، إذ إن تطوير مقالة شاملة على ويكيبيديا قد يستغرقُ شهوراً من العمل، وخاصة حينما يتوازى مع وظيفة بدوام كامل). آملُ -كذلك- أن أساهم في كتابة دليل سهل لتعلّم هذه اللغة، إن وجدتُ فرصة لذلك فيما بعد.
ابن فضلان
في حين أني أشعرُ بأن تراث العصور القديمة هو جزء من هويتي أُهْمِلَ دوناً عن غيره في حاضرنا إلا أنه يبقى جانباً منها فحسب، فمنذ أن عدت من دراستي في أوروبا وأنا أُخصّص وقتاً أكبر بكثير -كذلك- لقراءة الأدب العربي التراثي، ومن أمثلته التي أثرت فيَّ كثيراً “رسالة أحمد بن فضلان”.
كان ابن فضلان رحَّالة مسلماً (إما عربياً أو فارسياً) كُلِّفَ بمهمة صعبة للسفر من بغداد إلى مملكة الصقالبة (وهي تقعُ على ضفاف نهر الفولغا في روسيا حالياً) بين عامي 309 إلى 310 هـ، أي 921 إلى 922م. ولعلَّ هذه الرحلة تبدو وكأنها بعيدةٌ قليلاً عن “تراثي” بما أن جُلَّ أحداثها وقعت في بلاد لما أزرها قطّ، إلا انها أعطتني انطباعاً معاكساً تماماً، فرسالة ابن فضلان (التي يشادُ بها لدقتها وموضوعيتها) تُصوّر بلداناً وأمماً مختلفةً من العصور الوسطى بعيني رحَّالة يشاطرني جانباً كبيراً من تراثي وثقافتي، وهذا عدا عن أن مسارها الطويل الذي يغصّ بالتجارب الغريبة ذكّرني برحلتي الشخصية إلى أوروبا وما عشتهُ فيها من تجارب، فبدت مألوفة لي.
ورغماً عن كلّ ذلك، فقد أحسستُ تجاه ابن فضلان ورسالته بإحباط يشبهُ ما أحسستُ به حيال التراث الفينيقي. إذ سبق لي في سنتي الثانية في الجامعة وأن اضطررتُ إلى قراءة حوالي 3000 سطر من “بيوولف” (Beowulf)، وهي ملحمة شعرية مشهور تعدّ واحدة من أهم الأعمال في الأدب الأنجلوسكسوني، بل وإنها جزءٌ لا يتجزَّأ من التراث الوطني الذي تحتفي وتفتخرُ به إنكلترا. وقد خُصِّصَ لهذه الملحمة من الاهتمام ما أكسبها شهرةً في شتى أنحاء العالم (بما في ذلك في جامعتي في الأردن)، وما أدى إلى إعادة نشرها وإصدارها بنسخٍ مختلفةٍ للأطفال وللبالغين وللباحثين. بل وقد كانت مصدر إلهامٍ لرواية مذهلة وضاربة في الشهرة، وهي “الهوبيت”، والتي ربَّما فاقت في شهرتها الملحمة الأصلية، حتى أنَّها أثرت عليَّ في طفولتي ونشأتي.
ورسالة ابن فضلان -برأيي الشخصي- ليست أقل شأناً على الإطلاق من قصيدة “بيولف”، فهي تروي قصة مثيرة تملؤها أحداث متقلّبة وشيّقة للقارئ ومُصَاغة بإتقان أدبي مُدْهِش، بل وإننا نجدُ في هذه الرسالة رواية شاهد العيان الوحيد المعروف لطقوس دفن الأموات من فايكنغ نهر الفولغا في سفنهم، ونقرأُ بلسان ابن فضلان ما شهدهُ بنفسه من أحداث وشخصيات تاريخية مهمّة، ونعيشُ معه مغامرته ورحلته مع أصحابه بما غصَّت فيه من عقبات سياسية ودينية. ومع ذلك فإنَّ رسالة ابن فضلان ليست معروفة أو مشهورة كما ينبغي بين أبناء ثقافته وتراثه، وقليلٌ من الناس يقرؤونها سواءٌ أكانوا طلاباً أم من الجمهور عامَّة. ويذكرُ أن رسالته ألهمت رواية مشهورة اقتُبِسَ عنها فلم سينمائي (وهو فلم “المحارب الثالث عشر”)، وهي -بنظري- رواية رديئة وتروي من حكاية “بيوولف” أكثر بكثيرٍ مما ترويه عن حكاية ابن فضلان.
قررتُ، لهذه الأسباب كلّها، أن أتقلّد زمام الأمور بيديَّ كما فعلتُ مع كتاب الفينيقيين قبل خمسة عشر عاماً، مع أملي بتحقيق نتيجة أفضل من تلك: فبعد أن قرأت أطنانًا من الأدب وتلقَّيتُ العديد من دروس الكتابة، صرتُ أطمح لأن أضيفَ إلى تراثي شيئاً مختلفاً عن المقالات الموسوعية، إذ قررتُ -بدلاً منها- أن أروي حكاية ابن فضلان من وجهة نظري الشخصية في رواية عربيَّة أصيلة. يقترب طول مخطوطة هذه الرواية (التي ما تزال غير مُعَنْونةٍ) من 30،000 كلمة حالياً، وهي تُغطّي بالفعل معظم أحداث قصّته، وآمل أن أكمل ما بقي منها في أوائل العام المقبل.
أعتقدُ -كذلك- أن رسالة ابن فضلان قد تحظى بشعبية كبيرة من القُرَّاء وهي بشكلها “الأصليّ” إذا أُحْسِنَ عرضها، ولذلك فإن الخطوة المقبلة لي (بعد أن أنهي روايتي) هي أن أُكَرِّسَ وقتاً لإعادة نشر الرسالة نفسها مع مقدمة أكاديمية (شيّقة فيما آمل)، ومع خرائط وصور للأماكن التي زارها (أو أنقاض هذه الأماكن)، ورسومات جيّدة ربما. وصحيحٌ أن أسلوب ابن فضلان جذّابٌ في ذاته، لكني أدركتُ أكثر الآن وبفضل البحث المُوسَّع الذي أجريته لكتابة روايتي جوانب مثيرة من السياق التاريخي لرحلة ابن فضلان والشخصيات التي التقى بها وتعاملَ معها. بعدما ألفتهُ من دراستي من كتبٍ قديمة جذّابة بسبب ما تُعْرَض به من أسلوبٍ شيّق وسياق مستفيض، صرتُ مقتنعاً بوجود حاجة حقيقية لإعادة نشر رسالة ابن فضلان بإصدارة عربية جديدة، مع مقدمة لائقة وصور مفيدةٍ وحواشي تنقلُ للقارئ المعاصر السياق المثير الذي وقعت فيه أحداثها.
بفضل ما عملتُ عليه من هذه الأفكار والمشاريعة المتشتّتة أو المتنوعة، غدوتُ أشعر اليوم بأنني أقربُ -بعض الشيء- إلى تراثي وثقافتي، وأتطلع لمواصلة هذه المشاريع خلال الأشهر (أو السنوات) المقبلة وربما للعمل على مشاريع جديدة غيرها، علَّها تساعد في إحياء شيءٍ من تراثي وثقافتي وتقريبها إلى قلوب الناس وأذهانهم. كذلك، فإني ممتن حقًا لكل الدعم الذي تلقيتهُ في هذه المشاريع من “زمالة فريدريك فينجر التذكارية” ومن العديد من الزملاء الرائعين في أكور وفي ويكيميديا بلاد الشام وغيرهما، وآمل أن نتمكن من العمل معًا جميعاً نحو مستقبل أوثق صلةً بالماضي الذي نستمدّ منه هويتنا.
عن الكاتب
عبَاد ديرانية هو ويكيبيدي وكاتب وطالب لغويات. يعمل حاليًا كـ”منسق لإدارة المعلومات والمعرفة” مع فريق التخطيط الاستراتيجي لعام 2030 في مؤسسة ويكيميديا (وهي مؤسسة غير ربحية تشرفُ على مواقع منها “ويكيبيديا”)، وهو يتطوَّع كمحرّر في الموسوعة الحرّة “ويكيبيديا” منذ أكثر من عشر سنوات، ويشغل منصب المنسّق العام لمنظّمة ويكيميديا بلاد الشام منذ ثلاث سنوات. قاد عبَّاد سابقًا مشاريع للترجمة إلى اللغة العربية مع أكاديمية خان ومع مجموعة السعودي العلمي، كما كتب لمجلّات “حبر” و”الكون” و”إم أي تي تكنولوجي ريفيو” و”العِلْم للعموم”، ونشر كتاباً إلكترونياً حراً بعنوان “حكاية ويكيبيديا”. في الوقت الحالي، يواصل عباد دراسته لدرجة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية وآدابها من الجامعة الأردنية، وقد حصل سابقًا على زمالة فريدريك وينجر التذكارية من أكور.