يمكنك قراءة هذه المقابلة باللغة الإنجليزية.
هذه المقابلة هي جزء من سلسلة جديدة على مدوناتنا “ اسأل باحث” ، والتي من خلالها نسلط الضوء على التجارب الشخصية للزملاء والباحثين المنتسبين الآخرين. أجريت المحادثة التالية مع نضال جرار (الحاصل على منحة الدراسات العليا المقدمة من أكور للطلاب الأردنيين لعام 2020-2021) الكترونيا عبر الإيميل في شباط 2021.
نشكرك سيّد جرار لانضمامك إلينا على مدونتنا، لقد أكملت لتوك درجة الماجستير في الحفاظ المعماري، هل يمكنك أن تخبر قرائنا أكثر عن خلفيتك العلمية، وما الذي أدى إلى اهتمامك بهذا المجال؟
بداية ً، أنا معماري وباحث من الأردن، حاصل على درجة الماجستير في الحفاظ المعماري من الجامعة الألمانية الأردنية في عمّان عام 2020، كما حصلت قبل ذلك على درجة البكالوريوس في هندسة العمارة من جامعة العلوم التطبيقية في عمّان أيضًا عام 2010.
أُتيحت لي الفرصة للممارسة المهنية بمجال العمارة طيلة فترة خبرتي لمدة تسع سنوات في مشاريع التصميم والترميم والصيانة، بالإضافة إلى التدريس لفترة وجيزة، والمشاركة في أحد برامج اليونسكو للحفاظ على التراث في البترا بالأردن. لقد اخترت أن اتخصص في جزء معين من العمارة، وهو التراث الصناعي الحديث، ليكون اهتمامي متركز على الحفاظ على هذا النوع من المباني في منطقتنا العربية، وتحديدًا في الأردن، حيث أعكف حاليا على نشر ورقة بحثية في هذا الشأن.
لقد بدأ اهتمامي بالمواضيع العمرانية والتراث المادي واللامادي منذ فترة طويلة، حيث بدأ شغفي في توثيق معالم التراث في الأردن والمنطقة إلكترونيًا عبر مشاريع المعرفة الحرة المختلفة منذ حوالي 15 سنة، وتحديدًا عبر موسوعة ويكيبيديا ومشاريعها الشقيقة ، حيث أصبحت محررًا ثم إدارياً بالنسخة العربية منذ ذلك الحين، كما تركزت معظم مساهماتي على مواضيع معمارية وتاريخية ومكانية مرتبطة بتوثيق الذاكرة الصورية أو المكتوبة عن منطقتنا، مثل مقالة العمارة في فلسطين، أو السياحة في الأردن، ومئات المقالات الأخرى باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى تنظيم واحدة من أكبر مسابقات التصوير بالعالم (الويكي تهوى المعالم) ضمن منطقة بلاد الشام، والمعنية بتوثيق التراث الثقافي العالمي. كما كانت لي تجربة بالانخراط في مشروع التراث الأردني المفتوح، الذي تم بالشراكة بين المركز الأمريكي للأبحاث الشرقية ومجموعة ويكيميديا بلاد الشام والجمعية الأردنية للمصدر المفتوح، وذلك من خلال إلقاء محاضرات عن توثيق التراث الأردني على منصات المحتوى الالكتروني المختلفة، والتي حضرها عدد كبير من المعنيين بالتراث.
طبعًا كان التخصص في دراسة جزئية مهمة من العمارة، وهو تخصص الحفاظ المعماري، بما يتضمنه من مواضيع كالترميم والحماية وإعادة الاستخدام المتكيف أو حتى إعادة التأهيل أو البناء، دافعًا قويًا لي بالاستمرار بالقراءات والتوسع بمعرفة موضوع يهمني جدا، حيث أعتقد أن التراث من الأمور التي يجب أن توضع على سلم أولويات دولنا من حيث إيجاد تعريف مناسب لها والحفاظ عليها للأجيال اللاحقة.
علاوة على ذلك، كان لي الشرف بالمساهمة بشكل فعال في مسح وتوثيق عدد كبير من مواقع التراث الإسلامي في الأردن أثناء انخراطي ببرنامج الماجستير، حيث تتوج العمل الكبير بالتعاون مع زملاء آخرين وبإشراف الأستاذ توماس فيبر والمعماري عمار خماش، بإصدار كتاب ضخم أصبح اليوم من أهم المراجع التاريخية عن مواقع التراث الثقافي في المملكة ومنطقة بلاد الشام.
من جهة أخرى، كان لهذا التخصص تداخلا مباشرًا مع عملي الحالي، حيث أعمل حاليا في مجال الترميم الحديث ومواد البناء والترميم والإنشاءات بين عمّان وبغداد.
أخبرنا المزيد عن أطروحتك؟
يُعتبر التراث الصناعي جزءا مهمًا من التراث الحديث في العالم. إلا أنه يعاني من التهميش المستمر في العالم العربي، وخاصة في الأردن، حيث لم يتم حماية أو دراسة العديد من مواقع التراث الصناعي بشكل جيد نتيجة لعدم وجود تعريف واضح للتراث الثقافي. معظم هذه المواقع، التي بنيت في القرن العشرين، تختفي مؤخرا شيئا فشيئا أو من المقرر هدمها
أعلى اليسار: محطة توليد الطاقة الكهرومائية في الباقورة، 2019. أعلى اليمين: محطة الحسين الحرارية في الزرقاء، واحدة من أهم مشاريع بناء الدولة المهددة بالهدم. أسفل اليسار: قناة الغور الشرقية في العدسية. أسفل اليمين: سد شرحبيل (زقلاب)، أحد أقدم السدود في الأردن. جميع الصور من تصوير نضال جرار.
عملت هذه الأطروحة على دراسة التراث الصناعي الحديث في الأردن بشكل مفصل من حيث بروزه وسرده، حيث يرتبط بمشروع الصحوة العربية وفترات بناء الدولة المبكرة. علاوة على ذلك، حللت الأطروحة مثالا نادرًا من هذا التراث، وهو محطة روتينبرغ لتوليد الطاقة الكهرومائية في الباقورة، شمال الأردن، كما حاولت إنشاء مقارنة مع مثال وطني لهذا التراث، وهو هنجر الكهرباء في عمّان، بالإضافة إلى أمثلة محلية مشابهة، وذلك لتمثيل علاقة أقوى مع مشاريع بناء الدولة في الأردن. لذلك، تم الحصول على فهم أعمق لهذا التراث الصناعي، وذلك باستخدام منهجيات بحث متعددة تشمل كل من البحوث الأرشيفية، وتحليل النصوص التي تركز على مسألة التصنيع وتأثيرها على مشاريع التنمية في العالم العربي، والمسح الاستطلاعي الميداني لعدة مواقع محتملة تمثل التراث الصناعي في الأردن، ودراسة حالة وطنية مشابهة وتحليل مقارن معها. بالإضافة إلى ذلك، قام البحث بتقييم موقع الدراسة من خلال اعتماد خطة إدارة حفاظ موجزة وغير رسمية، وذلك من أجل تمهيد الطريق لأي قرارات مستقبلية من شأنها الحفاظ على مواقع التراث الصناعي المماثلة في الأردن، أو حتى لأي تصميم مستقبلي مفصل لموقع الدراسة بعد الترميم المحتمل.
قدمت هذه الدراسة مقاربة مختلفة لفهم مواقع التراث الصناعي الحديث في الأردن، والتي تعتبر مهمة، ليس فقط بسبب قيمتها التاريخية والمعمارية والجيوسياسية فحسب، بل لمعناها بالفترات المبكرة لمشاريع بناء الدولة الحديثة في المملكة. كذلك، دعت الدراسة إلى إدراج هذه المواقع في تعريف التراث الوطني وتسليط الضوء على هذا الموضوع الجديد والأساسي الذي ينقل الإحساس بالمكان والذاكرة والهوية الوطنية. كما أنها ربطت بين الإطار النظري والنتائج التجريبية لدراسة هذه المواقع وحمايتها. بمعنى آخر، إنها خلقت الوعي حول معنى وجوهر وقيمة هذه العمارة الصناعية التي يعود تاريخ معظمها إلى فترة الحداثة، والتي كانت قصيرة العمر في الأردن والعالم العربي، ليس فقط بين عامة الناس ولكن أيضا بين صناع القرار والمؤسسات العامة أو الخاصة.
هل يمكنك تلخيص ما تعنيه “بالتعددية وتنوع التراث الصناعي الحديث” في الأردن، لقرائنا؟
إن المباني والمواقع التي يمكن تصنيفها كتراث صناعي حديث في الأردن قليلة نسبيا، لكنها تُعتبر من المنشآت الصناعية المتنوعة ذات القيمة الكبيرة تاريخيًا و رمزيًا وإنشائيًا ومعماريًا أو حتى اجتماعيًا. فهناك السدود ومحطات توليد الطاقة ومحطات القطار والجسور وصوامع الحبوب والمصانع التاريخية والقنوات المائية وغيرها، والتي كانت جميعها شاهد على فترة بناء الدولة الأردنية. طبعًا يجب الإشارة إلى أن معظم تلك المباني والمواقع شُيدت في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، أي في فترة نهوض الدولة وتأسيسها، وتركز الجزء الأعظم منها في الجزء الشمالي من المملكة.
على المستوى الشخصي، هل لديك أي مثال مميز حول إعادة الاستخدام المتكيِّف للمباني التراثية؟
توجد في العالم الكثير من الأمثلة المميزة عن إعادة الاستخدام المتكيف للمباني التراثية، وتحديدًا الصناعية منها، مثل “سانتراليستانبول” بمدينة اسطنبول في تركيا، والذي كان أول محطة توليد طاقة في تاريخ الدولة العثمانية تحت اسم “سلاحتار آغا”، حيث تحول إلى أحد أهم المراكز الثقافية في المدينة بعد أن كان مهجورًا لفترة طويلة. كما تُعد تجارب الدول الأوروبية في هذا المجال، مثل الدنمارك وألمانيا وبريطانيا، من التجارب الريادية في المحافظة على هذا التراث الصناعي وإعادة استخدامه دون الحاجة إلى هدمه أو تفكيكه. وهذا ما حدث مثلا في كوبنهاغن في تحويل صوامع الحبوب إلى شقق سكنية، أو تحويل محطة توليد طاقة قديمة معتمدة على الوقود الثقيل إلى منتجع سياحي للتزلج بالإضافة إلى توليد الطاقة النظيفة وإعادة تدوير النفايات بالمكان ذاته.
لكن يبقى مثال تحويل محطة توليد الطاقة الكهربائية في راس العين بمدينة عمّان إلى مركز ثقافي مفتوح من أهم الأمثلة المحلية بالنسبة لي في إعادة الاستخدام المتكيف للتراث الصناعي ومن أكثرها ندرة في بلادنا، حيث تم احترام مكونات المبنى الأصلية والتمييز بينها وبين الإضافات بعد أعمال الترميم. كما يشرفني أن من قام بهذا العمل كان د. رامي الضاهر ومكتبه الاستشاري “تراث”، وهو بالمناسبة مشرفي في رسالة الماجستير، وأحد أكثر الأشخاص الذين تأثرت بهم في حياتي المهنية.
في هذا الوقت الكثير منا يحاول ألّا يخرج كثيرا بسبب توقف رحلات السفر، على الجهة الأخرى نستكشف أحيائنا بطريقة أكبر نتيجة السفر المقيّد، هل لديك أية اقتراحات حول كيف يمكن للقراء مواصلة استكشاف التراث العمراني المتنوع في الأردن خلال فترة هذا الوباء؟
للأسف، لقد قيدت الجائحة الحالية، ومعها حظر التجول، من قدرة الناس في زيارة المواقع الأثرية والسياحية في الأردن وباقي أنحاء العالم بشكل كبير. هذا ما يدفعنا كمعماريين وآثاريين ومهتمين بالتراث والسياحة إلى التفكير خارج الصندوق لإيجاد الحلول العملية في إرجاع التواصل بين فئة كبيرة من الزوار والمهتمين مع مراكز الجذب السياحي والمعماري المختلفة. واحدة من تلك الحلول كانت تكنولوجيا الواقع الافتراضي، وهو ما بدأت به عدد من المؤسسات في المنطقة بالفعل، كهيئة تنشيط السياحة في الأردن، حيث بدأت بتعميم تجارب عملية في هذا الصدد في الترويج للسياحة لعدد من المواقع الأثرية في المملكة بشكل افتراضي لتعويض النقصان الحاد في أعداد الزوار.
من جهة أخرى أعمل حاليًا على مشروع لربط المواقع الأثرية بشكل فعلي مع مقالاتها على موسوعة ويكيبيديا من خلال الألواح الذكية التي تمكن الزائر من الوصول إلى معلومات مفصلة عن الموقع بشكل سهل وتفاعلي.
هذا يدعونا كمجتمع محلي وهيئات رسمية وغيرها من المنظمات المعنية إلى التكاتف في الحفاظ على إرثنا الثقافي، والعمل على الترويج لزيارة المواقع الأثرية والتراثية، من خلال إعادة النظر بالعمل بالطرق التقليدية في التعامل معها.
نضال جرار هو مهندس معماري ومن الباحثين القلائل المهتمين بالتراث الصناعي في الأردن والمنطقة العربية، حيث أنه عضو في اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الصناعي (TICCIH)، والمجلس الدولي للمعالم والمواقع (إيكوموس – الأردن). حصل جرار على درجة الماجستير في الحفاظ المعماري من الجامعة الألمانية الأردنية، حيث كانت أطروحتة بعنوان: «إعادة تصور لتراث الحداثة الصناعي والمعماري في الأردن: محطة روتينبرغ لتوليد الطاقة في الباقورة». أُتيحت له الفرصة للمارسة المهنية بمجال العمارة في مشاريع التصميم والترميم والصيانة، والمشاركة في أحد برامج اليونسكو للحفاظ على التراث في البتراء بالأردن، بالإضافة إلى التدريس لفترة وجيزة. وقد حصل أثناء دراسته للماجستير على عدة منح دراسية، منها منحة الطلاب الأردنيين 2019/2020 من المركز الأمريكي للأبحاث الشرقية (أكور)، ومنحة البحث العلمي من الجامعة الألمانية الأردنية لغرض إجراء فحوصات مخبرية على عينات إسمنتية من موقع الدراسة في الباقورة المستعادة، شمال الأردن. أسس جرار عام 2015 مع آخرين مجموعة مستخدمين إلكترونية معنية بنشر المعرفة الحرة في الأردن ومنطقة بلاد الشام، هي ويكيميديا بلاد الشام، وانصب اهتمامه بمشاريع توثيق التراث الثقافي في المنطقة لدعم المحتوى العربي الإلكتروني بها. يُذكر أن نضال حاصل على صلاحية محرر ومراجع وإداري وله آلاف التعديلات والمساهمات في موسوعة ويكيبيديا.
المراجع
- “Jordanian and Syrian youth get serious about cultural heritage preservation.” UNESCO. July 31, 2019.
- Jarrar, Nedhal. “Jordan – A Struggle Against Privatization and Neoliberalism.” International Committee for the Conservation of the Industrial Heritage Bulletin 91, 2021.
- Jarrar’s thesis, “Reconceptualizing Jordan’s Industrial and Architectural Heritage of Modernity: Rutenberg Power Plant in Baqoura,” is available for public reading at the ACOR Library.